مكث عمي بوزيد أربعة أيام في منزل صديقه مجيد اين استرجعوا ما كان من الذكريات وقفات الجيرة وزمن العشرة الطيبة بين ضحكات و قهقات الأخوة وصينية توضع وأخرى ترفع بيدي خالتي صليحة بينما انغمست فتيحة مع جميلة زولا والاخريات يتسامرون على شقاوة الصغر و شطحات الصبى
عند اليوم الرابع ودع عمي بوزيد صديقه والعائلة عائدين للبليدة بالذات فقد هاتف عمي مجيد صديقا له يعمل في نزل محترم وسط باب السبت بالبليدة واوصاه أن يحسن مقام عمي بوزيد وابنته وكان الأمر كما حسب له فقد وجد عمي بوزيد السيد مسعود رجل جيجلي من الزمن الجميل مستقر بالبليدة ،عمي مسعود : اهلا بصديق الغالي ،عمي بوزيد : اهلا بك سيدي لن نثقل عليك أيام معدودة وتغادر ،عمي مسعود : النزل نزلك فللشاوية مكانة كبيرة عندي ههههه عمي بوزيد : بارك الله فيك افترق الرجلان بعد أن اوصلهما للغرفة واوصى لهما بغداء ،دخلت فتيحة مع أبيها و بعد تناول الغداء خلدا الاثنان بنوم عميق فقد أخذ الإرهاق منهما ماخذا كبيرا ،وفي الليل وضعت فتيحة المحلول الذي أمر الطبيب شاوشي أن تشربه ،كانت المخاوف تعتريها من مفعوله وهذا ما تأكد حين بدأت تشربه ، انتابها غثيان و دوار شديد فتيحة : أنه مر يا والدي وأحس أن راسي تدور يا الاهي ماهذا المحلول ؟ اخذ عمي بوزيد يشجعها و دواخله تتعصر كمدا على ابنته: هيا يا فتيحة تشجعي واكملي ما بقي من المحلول فلم تشربي الا القليل ، فتيحة : لا استطيع يشعرني مذاقه بالغثيان و فجأة انفتح فم فتيحة للقيء بصورة عشوائية جحظت عيناها واصغر وجهها كحبة ليمون لكنها استجمعت قواها واكملت ما بقي في القنينة من محلول ، عمي بوزيد يشجعها على اكمال المحتوى و اغرورقت عيناه دمعا وهو يرى ابنته بتلك الحالة المزرية
لا تظنوا هذه الدموع دموع ضعف و وهن لا تحسبوا أن الرجل الصنديد لا يبك بل يبكي و بحرقة حين يكتشف أنه مكسور اليدين لا يملك نفعا لفلذة كبده وهي تنطفىء أمامه لا يقو لها حراكا و لا أفعالا.
اكملت فتيحة القنينة في لحظات مقيتة و عصيبة عليها و على ابيها وناما بعد أن انكهما هذا المحلول و صناءعه
انتقل الاثنان صباحا العاصمة متجهين لمستشفى مصطفى باشا و بعد تيه ساعة في الطريق و صلا إلى مصلحة الامراض الهضمية ، كان الحكيم شاوشي بانتظارهم وقد تعطل عن فحوصاته للمرضى ، تقدم عمي بوزيد خجلا على التاخير فنطقت فتيحة : اعذرنا يا دكتور على التاخير جءنا من البليدة وتهنا في العاصمة فرد شاوشي : لا بأس المهم تناولت المحلول ؟ فتيحة : نعم ،شاوشي : اذن سأحضر قاعة الراديو و نقوم ب fibroscopie و coloscopie خرج مسرعا إلى قاعة الراديو وسط حشد من المرضى بين شجار مع الممرضين وانين النسوة و بكاء الاطفال ،بدا القلق يغزو القلوب واحست فتيحة كأنها مقبلة على امتحان البكالوريا ، رجع الحكيم شاوشي وامرهما باتباعه للقاعة سارا الاثنان وراءه في رواق طويل وقد تسارع خفقان قلبهما كأنما ضربات مطرقة تدق راس مسمار ،تمددت فتيحة شغل الراديو و بدأ شاوشي عمله ساد صمت رهيب وماهي الا لحظات حتى انتفض الحكيم شاوشي وهو يصيح : قدوووور قدوووور دخل قدور ممرض المصلحة المكشر ،دخل بسرعة : ماذا هناك دكتور ؟ شاوشي : اسرع وناد البروفيسور جاكري و الروفيسور تاكوشت هيا بسرعة !!! في هذه اللحظات وأمام هذا التصرف اصفر وجه عمي بوزيد و جمدت عروقه حتى أنه لم يستطع أن يستفسر عن حيثيات الموضوع أما فتيحة فحدث و لا حرج كيف لا و هي المضطجعة ولم تر حتى ما شاهده شاوشي من صور في التلفاز …جاء الدكاترة بسرعة في جلبة كبيرة احدثوها وسط القاهرة وأمام ذهول فتيحة و ابيها ،بدا جاكري في مساءلة شاوشي : ماذا جرى ماذا وجدت في الحالة ؟؟ شاوشي صححني أن أخطأت دكتور الحالة مصابة بRCUH في درجة متقدمة !! هنا تدخلت البروفيسور تاكوشت جراحة الجهاز الهضمي : هل هي تحت دواء معين ؟ شاوشي : تتناول rovaza يا أستاذة ، هنا تناول الدكتور جاكري المجس la sonde ليعيد إجراء الراديو و الوقوف على الحالة بنفسه كل هذا و ثلة من الدكاترة و المقيمين قد التفوا يشاهدون في التلفازحالة الأمعاء فبدأ التعجب ثم التحسر لينتهي الراديو لحالة قلق فصاحت الدكتورة تاكوشت لا بد من وضعها تحت المراقبة و الفحص الدقيق من الان احتجزوا لها سريرا الحكيم شاوشي : المصلحة محجوزة بأكملها و لا سرير فارغ جاكري : ماذا ؟؟ الحالة مستعجلة و لا يمكن الانتظار، وهنا تطفو للسطح فوضى المستشفيات و غياب النظام المصلحة مملوءة لكن حالتها مستعجلة و الأمر جلل .
خلص المطاف في الاخير لفتيحة و ابيها الى اعطائهم موعدا بعد يومين قصد التصرف و ايجاد سرير شاغر .
خرج عمي بوزيد مع ابنته و هو يحاول التستر بما ألم به من مخاوف لكن فتيحة أحست به فحاولت إضفاء مسحة امل لأبيها و كأنه هو المريض : لا تقلق يا ابي مادمنا عثرنا على الأطباء فالحل موجود هي قضية وقت فقط !! تفوهت بهذه الكلمات لكن الهواجس نهشت أفكارها و ألقت باوزارها.
تقدم الاثنان حتى ساحة اول ماي وجلسا على كرسي يفكران اين المبيت فتذكر عمي بوزيد أن رشيد ابن الحاجة جارتهم الذي درس في العاصمة اوصاه أن يتوجه عند صديقه نصرة بالقبة إن لم يجد مكانا للمبيت ،دخل عمي بوزيد طاكسيفون وكلمه وجه السرعة ولحسن اقداره أن رشيد كان ينهض في وقت متأخر، رشيد : عمي بوزيد اركب في الحافلة رقم 36 من ساحة اول ماي والتي تقلكم إلى حي بن عومار بالقبة وحين تنزل تقابلك على يمينك ثلاث عمارات صفراء اتجه للعمارة الوسطى فستجد مخبزة اسمها مخبزة البهجة اسال صاحبهاعن منزل نصر الدين فسيدلك عليه وانا بدوري ساكلمه حالا ليكون في انتظاركم .
ركبت فتيحة وابوها في الحافلة وسط زحمة الشعب و تدافعهم فعانت الأمرين في حافلة ليس لك فيها حق التنفس لحسن الحظ كانت المسافة قصيرة في طريق متصاعدة ،وصلت الحافلة و هاهي العمارات والمخبزة تتراءى لهم فمكث عمي بوزيد يسأل صاحبها حتى اطل شاب يشتري الخبزفكان هو نصر الدين فقد تعرف عمي بوزيد على لكنته البايضية فساله : على حسب لهجتك انت نصر الدين ؟ رد عليه الشاب وقد لمح فتيحة : وانت عمي بوزيد ،تعارفا الرجلان وقد أخبره نصر الدين أنه لتو قطع الخط مع رشيد ظانا أنهما مازالا في المستشفى ..
نصر الدين أو كما يكنى نصرو شاب مكافح جاء للعاصمة للدراسة وفرض ذاته في الاعلام الالي هو وثلة من أصدقائه فاستاجروا شقة فيها العمل و المبيت و قد غادر أصحابه لأشغال بعيدة
صعد الجميع للبيت بعد إرهاق يوم عصيب ،خرج نصرو للتسوق أما فتيحة وابوها فوقفوا على حالة هذا المنزل بين حواسيب متناثرة و أغطية مترامية بقايا السجائر و اواني متراكمة ،انها حالة العزاب في بيت ..ارتاحت فتيحة بعض الوقت ، استجمعت قواها بعد ذلك وبدأت في تنظيف البيت رغم إصرار نصر الدين على ترك كل شيء على حاله ،الا أن بنت الشاوية أرادت أن ترجع جزءا من كرم هذا الشاب فجزاء الجميل لا يكون إلا جميلا فامرت عمي بوزيد : ابي خذ نصر الدين للتجول و لا تعودوا الا بعد ساعتين على الاقل ،عمي بوزيد : اخاف ان تكون لك مضاعفات يا بنيتي ، فتيحة : لا تخف يا ابي انا بخير و الله …هي كذبة بيضاء ارتأت إليها فتيحة لإخراجه ،شرعت في الكنس والتنظيف ثم غسل الأواني و تحضير عشاء شهي .
ربما تكون امكانياتك محدودة و جيبك خاو لكن أن كان قلبك غني فسيهديك الله لسبل اسعاد من حولك وإضفاء الطمانينة بينهم من شاوشي الى عمي مجيد ،مسعود صاحب النزل وصولا لنصر الدين ذاك الشاب الذي مازال في أول الطريق
ربما حالات المرض كهذه تفتح لك رغم آلامها و الاوجاع …تفتح لك اطرا و نوافذ لترى سخاء القلوب و تستشعر نقاء السرائر.