مثلوا فأجادوا كالمحترفين الكبار، وأثبتوا أنه إذا حرمهم الله سبحانه وتعالى نعمة من نعمه لحكمة فقد عوضهم بأفضل مما أخذ منهم.. هذا ما أكده ثمانية من ذوي الاحتياجات الخاصة في أول عرض احترافي على مسرح مركز الحسين الثقافي في العاصمة الأردنية عمان .
وعلى مدى 45 دقيقة لفت ذوو الاحتياجات الخاصة من “نادي الأمير علي للصم بعمان”، الأنظار في مسرحيتهم “المانيكان المحتال” وأضحكوا جمهورهم وأغلبهم من العائلات والفئات المتوسطة وسط التصفيق والإعجاب.
وفي حديثها “للجزيرة نت” قالت مخرجة المسرحية مجد القصص “لم أجد مشكلة في التعامل والتدريب، بل وجدت أن الصم يتمتعون بطاقة جسدية قادرة على التعبير بشكل كبير تعوضهم عن النطق والسمع، فعندما كنت أقوم بحركة أمامهم كانت تنفذ مباشرة، وهذا ما لم أكن ألحظه مع الممثلين المحترفين الذين كنت أعيد الحركة أكثر من مرة ليتقنوها”.
وتابعت بالقول “ولا أبالغ إن قلت إن ثلاثين ساعة من التدريب كانت كافية نتيجة التجاوب الكبير والعطش والرغبة في إثبات الذات من هؤلاء الشباب”.
قصة المسرحية
ووفق المخرجة مجد فالعمل الذي اعتمد “لغة الماين” -أي التمثيل الصامت- يدور حول ستة لصوص دخلوا محل بيع الألبسة الجاهزة وتخفوا بـ”المانيكانات” هربا من الشرطة حيث يعمل بالمحل صاحبه وعامل يفاجأ بتغيير أماكنها، وينال ضربات على أجزاء من جسده دون أن يعرف مصدرها فيصاب بالهلع والخوف ويتهمه صاحب المحل بالإهمال ويطرده من عمله.
كما يتعرض صاحب المحل لمضايقات فيصاب أيضا بالخوف ويهرب، ومع مرور الوقت يبدأ العامل الذي يعود لعمله بالتعود على التماثيل وحركاتها المفاجئة أثناء تمارينه الرياضية لتكتشف الشرطة اللعبة وتلقي القبض عليهم وتأخذ العدالة مجراها.
وأوضحت المخرجة أن ذوي الاحتياجات الخاصة قدموا كوميديا المفارقات -دون الإشارة لأوضاعهم أو مشاكلهم- قوامها الضحك والمتعة وليس التهريج، وأكدت أنها لم تتعامل معهم بدافع الشفقة أو ابتزاز مشاعر الآخرين، فقد أرادوا القول إنهم الأقوى.
وردا على سؤال، رأت القصص أن “هناك شخوصا من واقعنا يأخذون شكل المانيكان لكنهم في الواقع فاسدون”، مشيرة إلى أن العرض مفتوح “لكي يفهمه المشاهد حسب درجة وعيه وثقافته وخلفيته السياسية”، لكنها استدركت بالقول إنه عندما قدمت العرض لم يكن يخطر ببالها أي إسقاط سياسي، لكن الجمهور قرأه سياسيا.
تجربة فريدة
وعقب العرض قال الناقد العراقي عواد علي للجزيرة نت إن الفنانة مجد القص
ص أقدمت على تجربة فريدة في ت
عاملها مع
ذوي الاحتياجات الخاصة، واستطاعت استثمار طاقاتهم الكامنة من خلال نص بسيط يعتمد المسرح الصامت تتخلله مجموعة من المفارقات والطرائف.
ومن وجهة نظره أث
بت هؤلاء أنهم أصحاب مواهب يمتلكون أجسادا مرنة وقدرة متميزة في التعبير الإشاري، من أبرزهم رائد عثمان الذي قدم دور العامل ولفت الأنظار لقدراته الكوميدية، ودعا المخرجة لتجارب جديدة مماثلة.
وقال إن المبدع الحقيقي هو الذي يكتشف المواهب غير المرئية أو التي لا تسمح الظروف لها بتفجير طاقاتها، وعلل غياب الموسيقى بأن العرض تعامل مع الصورة أي الجانب المرئي التشكيلي، وأن المخرجة استبعدت عمدا الجانب السمعي لتعوض بالأداء الإشاري والتكوينات والحركات.
وتتضمن المسرحية -وفق علي- دروسا تربوية، “فأصحاب السوابق مهما حاولوا الهرب أو التخفي من العدالة فإنها ستطولهم حتما، وهذه رسالة اجتماعية هدفها بناء مجتمع خال من الجريمة”.
من جانبها قالت الفنانة السورية إيمان كامل التي حضرت العرض المسرحي إنها لم تشعر بأن الذين يقفون على خشبة المسرح هم من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين أثبتوا أنهم أصحاب بصيرة يتعاملون بأحاسيسهم وقلوبهم من خلال الحركات وفيزياء الجسد.
أصحاب بصيرة
ووصفت للجزيرة نت بطل المسرحية رائد عثمان بأنه البطل المختلف، وقالت إنه نجم عالمي، مشيرة إلى أن العرض كوميدي هادف بعيدا عن التهريج، حيث رأت “ممثلين محترفين ونصا مشوقا”.
ومن الجدير بالذكر أن المسرحية قدمت في مهرجان الإعاقة والمسرح في الشارقة مؤخرا بدعم من الهيئة العربية للمسرح، ونالت المركز الأول.