رسالةٌ إلى تلك الغائبة: الجدب دواؤه الماء، والشّوق دواؤه اللقاء، لم أشتقْ إليكِ روحيّاً، لكنّي اشتقت إليكِ حسيّاً، إذ لستِ تغيبين عن خاطري، ولا يكاد طيفكِ يفارقني إن قام أو قعد. في كلّ المرّات كان تداول الأيام كلمح البصر إلّا حين فارقتكِ، أحسست وكأنّما مُدّت ساعات الأيّام أضعافاً بخلاف اليوم الذي كنت أراكِ فيه، أشعر وكأنّ عقاربها تلسعني، فأشتكي وجعاً من دون أن أجد دواءً. إن كان كلّ عليلٍ يُداوى بعقاقير أرضه، فإنّ كلّ حبيبٍ يُداوى بوجود أحبابه، ذلك لأنّ الأرواح في تواصلٍ مستمرٍ، فإنّ حال الفراق بينهما انعكس أثره في ملامح الجسد عن طريق الحزن والقلق، وقد يصل به إلى المرض ويزيد. ولو يعيدني الزّمن مرّةً أخرى إلى الماضي قليلاّ، لأحكمت حبل الوصال بكلّ حولي وحيلتي، وما كنت لأسمح لشيءٍ أن يَحول بيننا، كنت سأتمسّك بيدكِ للأبد، وسأظلّ أحارب للبقاء بقربكِ إلى آخر نفسٍ. الآن أدركت أنّ قيمة الأشياء التي نفقدها تزداد بعد أن كانت بحوزتنا؛ إذ لم أفكر أبداً أنّني سوف أحترق من جحيم الشّوق إليكِ يوماً، إنّي تيقنت الآن بأنّ وجودكِ كان برداً وسلاماً عليّ. لا أدري إن كان قُدّر علينا أن نبقى كما نتمنى، فكلّما تخيلت أنّ الحب قدرٌ، وأنّ العلاقات قدرٌ، أخذني الرّعب ألّا تكوني من نصيبي، إنّي أخاف أن يكون حبّنا مؤقتاً، وأنّ شخصاً آخر سيأتي ليحلّ مكاني وأنتِ راضيةٌ أو مُرغمةٌ من قِبل العادات والأنساب، العادات والأنساب؟ نعم! إنّها عدو العلاقات، تأتي لتفرّق بين قلبين مؤتلفيْن، وتجمع بين المختلفيْن دون أيّ معيارٍ شرعيٍّ أو منطقيٍّ، كانت تكفي الكفاءة والباءة فقط؛ وأعظم الباءة: الدّين والخُلق، لكن النّاس يعتبرونهما خارج الموضوع في تشريع العلاقات. إنّي آسفٌ لأنّي ما تمسكت بكِ، ولا جاهدت لأجل البقاء بقربكِ حتى النهاية، ومع ذلك فأعترف لكِ وأطمئنكِ بأنّي سأظلّ أحبّكِ، وسأظلّ أترقّب رجوعكِ، لعلّ لقاءً بعد الفراقِ يكون .